فصل: اشْتِرَاكُ الْمَلَائِكَةِ فِي غَزْوَتَيْ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.أَعْطَى صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوّلَ النّاسِ مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ:

ثُمّ بَدَأَ بِالْأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا، وَأَعْطَى الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوّلَ النّاسِ فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَمِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَقَالَ ابْنِي يَزِيدُ؟ فَقَالَ أعْطوُهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَمِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَقَالَ ابْنِي مُعَاوِيَةُ؟ قَالَ أَعْطُوهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً وَمِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ثُمّ سَأَلَهُ مِائَةً أُخْرَى فَأَعْطَاهُ وَأَعْطَى النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَعْطَى الْعَلَاءَ بْنَ حَارِثَةَ الثّقَفِيّ خَمْسِينَ وَذَكَرَ أَصْحَابَ الْمِائَةِ- وَأَصْحَابَ الْخَمْسِينَ- وَأَعْطَى الْعَبّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ أَرْبَعِينَ فَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا، فَكَمّلَ لَهُ الْمِائَةَ. ثُمّ أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِإِحْصَاءِ الْغَنَائِمِ وَالنّاسِ ثُمّ فَضّهَا عَلَى النّاسِ فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ لِكُلّ رَجُلٍ أَرْبَعًا مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً. فَإِنْ كَانَ فَارِسًا أَخَذَ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ.

.إرْضَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ، وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ وَاَللّهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْك فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الّذِي الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَا إلّا مِنْ قَوْمِي. قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ؟ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ فَلَمّا اجْتَمَعُوا، أَتَى سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَك هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا فَهَدَاكُمْ اللّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ بِي، وَأَعْدَاءً فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ. ثُمّ قَالَ أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللّهِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ. قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذّبًا فَصَدّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ عَلَيّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاءِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بَهْ خَيْرٌ مِمّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَوَادِيًا، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا وَوَادِيًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ وَوَادِيَهَا، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنّاسُ دِثَارٌ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسْمًا وَحَظّا، ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَفَرّقُوا.

.قُدُومُ أُخْتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ:

وَقَدِمَتْ الشّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى أُخْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُخْتُك مِنْ الرّضَاعَةِ قَالَ وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ عَضّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي، وَأَنَا مُتَوَرّكَتُك. قَالَ فَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَلَامَةَ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَخَيّرَهَا، فَقَالَ إنْ أَحْبَبْتِ الْإِقَامَةَ فَعِنْدِي مُحَبّبَةً مُكَرّمَةً وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُمَتّعَكِ فَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِكِ؟ قَالَتْ بَلْ تُمَتّعُنِي وَتَرُدّنِي إلَى قَوْمِي، فَفَعَلَ فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ وَجَارِيَةً فَزَوّجَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مِنْ نَسْلِهِمَا بَقِيّةٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فَأَسْلَمَتْ فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ وَجَارِيَةً وَنَعَمًا، وَشَاءً وَسَمّاهَا حُذَافَةَ. وَقَالَ وَالشّيْمَاءُ لَقَبٌ.

.فصل قُدُومُ وَفْدِ هَوَازِنَ:

وَقَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَرَأْسُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ، وَفِيهِمْ أَبُو بُرْقَانَ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنّ عَلَيْهِمْ بِالسّبْيِ وَالْأَمْوَالِ فَقَالَ إنّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَإِنّ أَحَبّ الْحَدِيثِ إلَيّ أَصْدَقُهُ فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟ قَالُوا: مَا كُنّا نَعْدِلُ بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا فَقَالَ إذَا صَلّيْتُ الْغَدَاةَ فَقُومُوا فَقُولُوا: إنّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَنَسْتَشْفِعُ بِالْمُؤْمِنِينَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَرُدّوا عَلَيْنَا سَبْيَنَا، فَلَمّا صَلّى الْغَدَاةَ قَامُوا فَقَالُوا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَسْأَلُ لَكُمْ النّاسَ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ، فَلَا، وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا وَقَالَ الْعَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ، فَلَا، فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: مَا كَانَ لَنَا، فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ الْعَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: وَهّنْتُمُونِي، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ جَاءُوا مُسْلِمِينَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ سَبْيَهُمْ وَقَدْ خَيّرْتُهُمْ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ شَيْئًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنّ شَيْءٌ فَطَابَتْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَرُدّهُ فَسَبِيلُ ذَلِكَ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِحَقّهِ فَلْيَرُدّ عَلَيْهِمْ وَلَهُ بِكُلّ فَرِيضَةٍ سِتّ فَرَائِضَ مِنْ أَوّلِ مَا يَفِيءُ اللّهُ عَلَيْنَا، فَقَالَ النّاسُ قَدْ طَيّبْنَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَ إنّا لَا نَعْرِفُ مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ مِمّنْ لَمْ يَرْضَ فَارْجِعُوا حَتّى يَرْفَعَ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَدّوا عَلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ فَإِنّهُ أَبَى أَنْ يَرُدّ عَجُوزًا صَارَتْ فِي يَدَيْهِ ثُمّ رَدّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَكَسَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّبْيَ قُبْطِيّةً قُبْطِيّةً.

.فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ مَا تَضَمّنَتْهُ هَذِهِ الْغَزْوَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيّةِ وَالنّكَتِ الْحِكْمِيّةِ:

.تَسَبّبَتْ حَرْبُ هَوَازِنَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي إظْهَارِ أَمْرِ اللّهِ:

كَانَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَ رَسُولَهُ وَهُوَ صَادِقُ الْوَعْدِ أَنّهُ إذَا فَتَحَ مَكّةَ، دَخَلَ النّاسُ فِي دِينِهِ أَفْوَاجًا، وَدَانَتْ لَهُ الْعَرَبُ بِأَسْرِهَا، فَلَمّا تَمّ لَهُ الْفَتْحُ الْمُبِينُ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعَالَى أَنْ أَمْسَكَ قُلُوبَ هَوَازِنَ وَمَنْ تَبِعَهَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَجْمَعُوا وَيَتَأَلّبُوا لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمِينَ لِيَظْهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَتَمَامُ إعْزَازِهِ لِرَسُولِهِ وَنَصْرِهِ لِدِينِهِ وَلِتَكُونَ غَنَائِمُهُمْ شُكْرَانًا لِأَهْلِ الْفَتْحِ وَلِيُظْهِرَ اللّهُ- سُبْحَانَهُ- رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ وَقَهْرَهُ لِهَذِهِ الشّوْكَةِ الْعَظِيمَةِ الّتِي لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا، فَلَا يُقَاوِمُهُمْ بَعْدُ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ الّتِي تَلُوحُ لِلْمُتَأَمّلِينَ وَتَبْدُو لِلْمُتَوَسّمِينَ. وَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ أَذَاقَ الْمُسْلِمِينَ أَوّلًا مَرَارَةَ الْهَزِيمَةِ وَالْكَسْرَةِ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ وَقُوّةِ شَوْكَتِهِمْ لِيُطامِنَ رُءُوسًا رُفِعَتْ بِالْفَتْحِ وَلَمْ تَدْخُلْ بَلَدَهُ وَحَرَمَهُ كَمَا دَخَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاضِعًا رَأْسَهُ مُنْحَنِيًا عَلَى فَرَسِهِ حَتّى إنّ ذَقْنَهُ تَكَادُ تَمَسّ سُرُجَهُ تَوَاضُعًا لِرَبّهِ وَخُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ وَاسْتِكَانَةً لِعِزّتِهِ أَنْ أَحَلّ لَهُ حَرَمَهُ وَبَلَدَهُ وَلَمْ يَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَلِيُبَيّنَ سُبْحَانَهُ لِمَنْ قَالَ لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلّةٍ أَنّ النّصْرَ إنّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ فَلَا غَالِبَ لَهُ وَمَنْ يَخْذُلُهُ فَلَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَنّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الّذِي تَوَلّى نَصْرَ رَسُولِهِ وَدِينِهِ لَا كَثْرَتُكُمْ الّتِي أَعْجَبَتْكُمْ فَإِنّهَا لَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا، فَوَلّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فَلَمّا انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ أُرْسِلَتْ إلَيْهَا خِلَعُ الْجَبْرِ مَعَ بَرِيدِ النّصْرِ {ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وَقَدْ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنّ خِلَعَ النّصْرِ وَجَوَائِزَهُ إنّمَا تَفِيضُ عَلَى أَهْلِ الِانْكِسَارِ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [الْقَصَصَ 6].

.الْإِكْرَامُ بِالْغَنَائِمِ الْكَثِيرَةِ بَعْدَ أَنْ مُنِعُوا غَنَائِمَ مَكّةَ:

وَمِنْهَا: أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمّا مَنَعَ الْجَيْشَ غَنَائِمَ مَكّةَ، فَلَمْ يَغْنَمُوا مِنْهَا ذَهَبًا، وَلَا فِضّةً وَلَا مَتَاعًا، وَلَا سَبْيًا، وَلَا أَرْضًا كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ، قَالَ سَأَلْت جَابِرًا: هَلْ غَنِمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ شَيْئًا؟ قَالَ لَا وَكَانُوا قَدْ فَتَحُوهَا بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ وَفِيهِمْ حَاجَةٌ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَيْشُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوّةِ فَحَرّكَ سُبْحَانَهُ قُلُوبَ الْمُشْرِكِينَ لِغَزْوِهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ إخْرَاجَ أَمْوَالِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمْ وَسَبْيِهِمْ مَعَهُمْ نُزُلًا، وَضِيَافَةً وَكَرَامَةً لِحِزْبِهِ وَجُنْدِهِ وَتَمّمَ تَقْدِيرَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ أَطْمَعَهُمْ فِي الظّفَرِ وَأَلَاحَ لَهُمْ مَبَادِئَ النّصْرِ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، فَلَمّا أَنْزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَبَرَدَتْ الْغَنَائِمُ لِأَهْلِهَا، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي دِمَائِكُمْ وَلَا فِي نِسَائِكُمْ وَذَرَارِيّكُمْ فَأَوْحَى اللّهُ سُبْحَانَهُ إلَى قُلُوبِهِمْ التّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ فَجَاءُوا مُسْلِمِينَ. فَقِيلَ إنّ مِنْ شُكْرِ إسْلَامِكُمْ وَإِتْيَانِكُمْ أَنْ نَرُدّ عَلَيْكُمْ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَسَبْيَكُمْ وَ{إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْأَنْفَالَ 70].

.اشْتِرَاكُ الْمَلَائِكَةِ فِي غَزْوَتَيْ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ:

وَمِنْهَا: أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ غَزْوَ الْعَرَبِ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ، وَخَتَمَ غَزْوَهُمْ بِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَلِهَذَا يُقْرَنُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ بِالذّكْرِ فَيُقَالُ بَدْرٌ وَحُنَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سَبْعُ سِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ قَاتَلَتْ بِأَنْفُسِهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ فِيهِمَا، وَبِهَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ طُفِئَت جَمْرَةُ الْعَرَبِ لِغَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فَالْأُولَى: خَوّفَتْهُمْ وَكَسَرَتْ مِنْ حَدّهِمْ وَالثّانِيَةُ اسْتَفْرَغَتْ قُوَاهُمْ وَاسْتَنْفَدَتْ سِهَامَهُمْ وَأَذَلّتْ جَمْعَهُمْ حَتّى لَمْ يَجِدُوا بُدّا مِنْ الدّخُولِ فِي دِينِ اللّهِ. وَمِنْهَا: أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ جَبَرَ بِهَا أَهْلَ مَكّةَ، وَفَرّحَهُمْ بِمَا نَالُوهُ مِنْ النّصْرِ وَالْمَغْنَمِ فَكَانَتْ كَالدّوَاءِ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ كَسْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ عَيْنَ جَبْرِهِمْ وَعَرّفَهُمْ تَمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ شَرّ هَوَازِنَ، فَإِنّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِمْ طَاقَةٌ وَإِنّمَا نُصِرُوا عَلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أُفْرِدُوا عَنْهُمْ لَأَكَلَهُمْ عَدُوّهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَمِ الّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إلّا اللّهُ تَعَالَى.

.فصل إيجَابُ بَعْثِ الْعُيُونِ وَالسّيْرِ إلَى الْعَدُوّ إذَا سَمِعَ بِقَصْدِهِ لَهُ:

وَفِيهَا: مِنْ الْفِقْهِ أَنّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْعُيُونَ وَمَنْ يَدْخُلُ بَيْنَ عَدُوّهِ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ وَأَنّ الْإِمَامَ إذَا سَمِعَ بِقَصْدِ عَدُوّهِ لَهُ وَفِي جَيْشِهِ قُوّةٌ وَمَنَعَةٌ لَا يَقْعُدُ يَنْتَظِرُهُمْ بَلْ يَسِيرُ إلَيْهِمْ كَمَا سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَوَازِنَ حَتّى لَقِيَهُمْ بِحُنَيْنٍ.

.جَوَازُ اسْتِعَارَةِ سِلَاحِ الْمُشْرِكِينَ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ سِلَاحَ الْمُشْرِكِينَ وَعُدّتَهُمْ لِقِتَالِ عَدُوّهِ كَمَا اسْتَعَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدْرَاعَ صَفْوَانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ.

.مِنْ تَمَامِ التّوَكّلِ اسْتِعْمَالُ الْأَسْبَابِ:

وَمِنْهَا: أَنّ مِنْ تَمَامِ التّوَكّلِ اسْتِعْمَالَ الْأَسْبَابِ الّتِي نَصَبَهَا اللّهُ لِمُسَبّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ تَوَكّلًا، وَإِنّمَا كَانُوا يَلْقَوْنَ عَدُوّهُمْ وَهُمْ مُتَحَصّنُونَ بِأَنْوَاعِ السّلَاحِ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ، وَالْبَيْضَةُ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [الْمَائِدَةَ 67]. وَكَثِيرٌ مِمّنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَلَا رُسُوخَ فِي الْعِلْمِ يَسْتَشْكِلُ هَذَا، وَيَتَكَايَسُ فِي الْجَوَابِ تَارَةً بِأَنّ هَذَا فَعَلَهُ تَعْلِيمًا لِلْأُمّةِ وَتَارَةً بِأَنّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. وَوَقَعَتْ فِي مِصْرَ مَسْأَلَةٌ سَأَلَ عَنْهَا بَعْضُ الْأُمَرَاءِ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ بَعْدَ أَنْ أَهْدَتْ لَهُ الْيَهُودِيّةُ الشّاةَ الْمَسْمُومَةَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا قُدّمَ لَهُ حَتّى يَأْكُلَ مِنْهُ مَنْ قَدّمَهُ. قَالُوا: وَفِي هَذَا أُسْوَةٌ لِلْمُلُوكِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} فَإِذَا كَانَ اللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ الْعِصْمَةَ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنّهُ لَا سَبِيلَ لِبَشَرٍ إلَيْهِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنّ هَذَا يَدُلّ عَلَى ضَعْفِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُهُمْ بِأَنّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فَلَمّا نَزَلَتْ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَهَا. وَلَوْ تَأَمّلَ هَؤُلَاءِ أَنّ ضَمَانَ اللّهِ لَهُ الْعِصْمَةَ لَا يُنَافِي تَعَاطِيَهُ لِأَسْبَابِهَا، لَأَغْنَاهُمْ عَنْ هَذَا التّكَلّفِ فَإِنّ هَذَا الضّمَانَ لَهُ مِنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُنَاقِضُ احْتِرَاسَهُ مِنْ النّاسِ وَلَا يُنَافِيهِ كَمَا أَنّ إخْبَارَ اللّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ بِأَنّهُ يُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَيُعْلِيهِ لَا يُنَاقِضُ أَمْرَهُ بِالْقِتَالِ وَإِعْدَادِ الْعُدّةِ وَالْقُوّةِ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ وَالْأَخْذِ بِالْجِدّ وَالْحَذَرِ وَالِاحْتِرَاسِ مِنْ عَدُوّهِ وَمُحَارَبَتِهِ بِأَنْوَاعِ الْحَرْبِ وَالتّوْرِيَةِ فَكَانَ إذَا أَرَادَ الْغَزْوَةَ وَرّى بِغَيْرِهَا، وَذَلِكَ لِأَنّ هَذَا إخْبَارٌ مِنْ اللّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ عَاقِبَةِ حَالِهِ وَمَآلِهِ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الّتِي جَعَلَهَا اللّهُ مُفْضِيَةً إلَى ذَلِكَ مُقْتَضِيَةً لَهُ وَهُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْلَمُ بِرَبّهِ وَأَتْبَعُ لِأَمْرِهِ مِنْ أَنْ يُعَطّلَ الْأَسْبَابَ الّتِي جَعَلَهَا اللّهُ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مُوجِبَةً لِمَا وَعَدَهُ بِهِ مِنْ النّصْرِ وَالظّفَرِ إظْهَارِ دِينِهِ وَغَلَبَتِهِ لِعَدُوّهِ وَهَذَا كَمَا أَنّهُ سُبْحَانَهُ ضَمِنَ لَهُ حَيَاتَهُ حَتّى يُبَلّغَ رِسَالَاتِهِ وَيُظْهِرَ دِينَهُ وَهُوَ يَتَعَاطَى أَسْبَابَ الْحَيَاةِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ حَتّى آلَ ذَلِكَ بِبَعْضِهِمْ إلَى أَنّ تَرْكَ الدّعَاءِ وَزَعَمَ أَنّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنّ الْمَسْئُولَ إنْ كَانَ قَدْ قُدّرَ نَالَهُ وَلَابُدّ وَإِنْ لَمْ يُقَدّرْ لَمْ يَنَلْهُ فَأَيّ فَائِدَةٍ فِي الِاشْتِغَالِ بِالدّعَاءِ؟ تَكَايَسَ فِي الْجَوَابِ بِأَنْ قَالَ الدّعَاءُ عِبَادَةٌ فَيُقَالُ لِهَذَا الْغَالِطِ بَقِيَ عَلَيْك قِسْمٌ آخَرُ- وَهُوَ الْحَقّ- أَنّهُ قَدْ قَدّرَ لَهُ مَطْلُوبَهُ بِسَبَبٍ إنْ تَعَاطَاهُ حَصَلَ لَهُ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ عَطّلَ السّبَبَ فَاتَهُ الْمَطْلُوبُ وَالدّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ وَمَا مِثْلُ هَذَا الْغَالِطِ إلّا مِثْلُ مَنْ يَقُولُ وَإِنْ كَانَ اللّهُ قَدْ قَدّرَ لِي الشّبَعَ فَأَنَا أَشْبَعُ أَكَلْتُ أَوْ لَمْ آكُلْ إنْ لَمْ يُقَدّرْ لِي الشّبَعَ لَمْ أَشْبَعْ أَكَلْتُ أَوْ لَمْ آكُلْ فَمَا فَائِدَةُ الْأَكْلِ؟ وَأَمْثَالُ هَذِهِ التّرّهَاتِ الْبَاطِلَةِ الْمُنَافِيَةِ لِحِكْمَةِ اللّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.